سورة القلم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القلم)


        


{يوم يُكْشَفُ} المعنى: فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق. قرأ الجمهور: {يُكْشَفُ} بضم الياء، وفتح الشين. وقرأ ابن أبي عبلة، وعاصم الجحدري، وأبو الجوزاء، بفتح الياء، وبكسر الشين. وقرأ أبي بن كعب، وابن عباس: {تَكْشِف} بتاءٍ مفتوحة، وكسر الشين. وقرأ ابن مسعود، وأبو مجلز، وابن يعمر، والضحاك: {نَكشف} بنون مفتوحة مع كسر الشين. وهذا اليوم هو يوم القيامة. وقد روى عكرمة عن ابن عباس: {يوم يُكْشَفُ عن ساق} قال: يُكْشَفُ عن شِدَّةٍ، وأنشد:
وَقَامَتْ الحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقْ ***
وهذا قول مجاهد، وقتادة.
قال ابن قتيبة: وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إِلى معاناته والجدّ فيه، شمّر عن ساقه، فاستعيرت الساق في موضع الشدة، هذا قول الفراء، وأبي عبيدة، واللغويين. وقد أضيف هذا الأمر إِلى الله تعالى. فروي في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «يكشف عن ساقه»، وهذا إضافة إليه، لأن الكل له وفعله. وقال أبو عمر الزاهد: يراد بها النفس، ومنه قول علي رضي الله عنه: أقاتلهم ولو تلفت ساقي، أي: نفسي. فعلى هذا يكون المعنى: يتجلّى لهم.
قوله تعالى: {وَيُدْعَوْنَ إلى السجود} يعني: المنافقين {فلا يستطيعون} كأن في ظهورهم سفافيد الحديد. قال النقاش: وليس ذلك بتكليف لهم أن يسجدوا، وهم عجزة، ولكنه توبيخ لهم بتركهم السجود {خاشعةً أبصارهم} أي: خاضعةً {ترهقهم ذِلَّة} أي: تغشاهم {وقد كانوا يُدْعَوْن إِلى السجود} يعني: بالأذان في دار الدنيا، ويُؤْمَرون بالصلاة المكتوبة {وهم سالمون} أي: معافَوْن ليس في أصلابهم مثل سفافيد الحديد. وفي هذا وعيد لمن ترك صلاة الجماعة. وكان كعب يقول: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلَّفون عن الجماعات {فَذَرْني ومن يكذِّب بهذا الحديث} يعني: القرآن. والمعنى: خَلِّ بيني وبينه. قال الزجاج: أي: لا تشغل قلبك به، كِلْه إليَّ فأنا أكفيك أمره. وذكر بعض المفسرين أن هذا القدر من الآية إلى قوله: الحديث منسوخ بآية السيف. وما بعد هذا مفسر في [الأعراف: 183، 182] إلى قوله تعالى: {أم تسألهم أجراً} فإنها مفسرة والتي قبلها في [الطور: 40، 39].


قوله تعالى: {فاصبر لحكم ربك} أي: اصبر على أذاهم لقضاء ربك الذي هو آتٍ. وقيل: معنى الأمر بالصبر منسوخ بآية السيف.
قوله تعالى: {ولا تكن كصاحب الحوت} وهو يونس. وفيماذا نُهِيَ أن يكون مثله قولان:
أحدهما: أنه العجلة، والغضب، قاله قتادة.
والثاني: الضعف عن تبليغ الرسالة، قاله ابن جرير.
قال ابن الأنباري: وهذا لا يُخْرِجُ يونس من أولي العزم، لأنها خطيئة. ولو قلنا: إن كل مخطئ من الأنبياء ليس من أولي العزم، خرجوا كلهم إلا يحيى. ثم أخبر عن عقوبته إذْ لم يصبر، فقال تعالى: {إذ نادى وهو مكظوم} قال الزجاج: مملوء غماً وكرباً.
قوله تعالى: {لولا أن تداركه} وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وابن أبي عبلة: {لولا أن تَداركتْه} بتاء خفيفة، وبتاءٍ ساكنة بعد الكاف مع تخفيف الدال. وقرأ أبو هريرة، وأبو المتوكل: {تَدَّاركه} بتاء واحدة خفيفة مع تشديد الدال. وقرأ أُبَيّ بن كعب: {تتداركه} بتاءين خفيفتين {نعمةٌ من ربه} فرحمه بها، وتاب عليه من معاصيه {لَنُبِذَ بالعَرَاءِ وهو مذموم} وقد بينا معنى {العَراء} في [الصافات: 145] ومعنى الآية: أنه نبِذَ غيرَ مذموم لنعمة الله عليه بالتوبة والرحمة. وقال ابن جريج: نُبِذَ بالعراء، وهي: أرض المحشر، فالمعنى: أنه كان يبقى مكانه إلى يوم القيامة {فاجتباه ربه} أي: استخلصه واصطفاه، وخلَّصه من الذم {فجعله من الصالحين} فردَّ عليه الوحي، وشفَّعه في قومه ونفسه {وإن يكاد الذين كفروا لَيُزْلِقُونَكَ بأبصارهم} قرأ الأكثرون بضم الياء من أزلقته، وقرأ أهل المدينة، وأبان بفتحها من زَلَقْتُه أزْلِقُهُ، وهما لغتان مشهورتان في العرب. قال الزجاج: يقال: زلق الرَّجُلُ رأسَه وأزلقه: إذا حلقه. وفي معنى الآية للمفسرين قولان:
أحدهما: أن الكفار قصدوا أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين، وكان فيهم رجل يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل شيئاً، ثم يرفع جانب خبائه، فتمرُّ به النَّعم، فيقول: لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه، فما تذهب إلا قليلاً حتى يسقط منها عدة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين، فعصم الله نبيَّه، وأنزل هذه الآية، هذا قول الكلبي، وتابعه قوم من المفسرين تلقَّفوا ذلك من تفسيره، منهم الفراء.
والثاني: أنهم كانوا ينظرون إليه بالعداوة نظراً شديداً يكاد يُزْلِقُه من شدته، أي: يلقيه إلى الأرض. وهذا مستعمل في كلام العرب. يقول القائل: نظر إليَّ فلان نظراً كاد يصرعني. وأنشدوا:
يَتَقَارضُون إذا التَقَوْا في مَوْطنٍ *** نَظَراً يُزيلُ مَواطِنَ الأَقْدَامِ
أي: ينظر بعضهم إلى بعض نظراً شديداً بالعداوة يكاد يزيل الأقدام، وإلى هذا ذهب المحققون، منهم ابن قتيبة، والزجاج. ويدل على صحته أن الله تعالى قرن هذا النظر بسماع القرآن، وهو قوله تعالى: {لما سمعوا الذِّكْرَ} والقوم كانوا يكرهون ذلك أَشَدَّ الكراهة، فيُحِدُّون النظر إليه بالبغضاء، وإصابةُ العين، إنما تكون مع الإعجاب والاستحسان، لا مع البغض، فلا يُظن بالكلبي أنه فهم معنى الآية {وما هو} يعني: القرآن {إلا ذكر} أي: موعظة.

1 | 2